خصائص الأدب في صدر الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
خصائص الأدب في صدر الإسلام
1- الشعر
إذا استعرضنا ما نعرف من نصوص الشعر في العصر الجاهلي مقارنةً بما نعرف من نصوص الشعر في صدر الإسلام، فإنّنا نجد كثيراً من الأغراض الجاهلية قد استنفدت أغراضها، ولم تعد تصلح للبقاء في ظل الدين الجديد، ففد أبطل الإسلامُ العصبية، ونبذَ هجر القول وفاحشه، وجاء بالجد الحق، داعياً إلى الجهاد، والعمل على صلاح الناس، وزاجراً عن النقائص والآثام، فاتجهَ الشعراء الإسلاميّون وجهة جديدةً إذ أخذوا يحبذون فضائل الإسلام، ويمدحون تعاليمه، ويفخرون بما لنبيهم الكريم، من حب في الخير، ودعوة إلى سبيل الله، ومن يقرأ مدائح حسّان وكعب وغيرهما يجد المعاني الإسلامية، والأغراض الدينية قد ظهرت بوضوح، وقلً من الشعراء مَن التزم إذ ذاك بالطريق الجاهلي مثل الحطيئة، حيث لم يستطع أن ينفعل سريعاً بتعالم الدين، ولكنَّ الأيام قد ساعدت، على ظهور روحٍ جديدة، لدى شعراء هذا العصر.
وألفاظ الشعراء قد تأثرتْ كثيراً بالقرآن فظهرتْ لدى الإسلاميين، كلماتٌ من الذكر الحكيم بنصّها أما معاني القرآن فقد اقتبس الشعراء منها الكثير.
وتجد لدى بعض الشعراء سهولةً في الإسلام كحسان بن ثابت الذي قرأت قصيدته السهلة في الدفاع عن رسول الله فإذا قرنتَها بما قال قبل ذَلك في مديح الغساسنة أو في الفخر بنفسه فستجد الفرق واضحاً لا يحوج إلى استدلال!
وكلماتُ الصلاة والصوم والزكاة والإسلام، والإيمان والجهاد، والجنة والنار والحساب والبر والمعروف وحدود الله، ترددت في الشعر الإسلامي، بتأثير القرآن الكريم، والدعوة الإسلامية وكان نفرٌ من المؤرخين يظنون أن الشعر قد ضعف، في هذا العصر عما قبله لأن القرآن نهى عن وصف الخمر والهجاء والغزل الفاحش، فقلّت أغراض الشعر، ولكن الثابت أنّ أغراضاً جديدة هامةً قد جدّت، مثل وصف الفتوحات الإسلامية، وأماكن الجهاد في بلاد الروم وفارس وكل ذلك مدوّن في كتب التاريخ وينتظر من يجمعه، في كتب الأدب، ويُلقىعليه مزيداً من الضوء، والحق أن الذي تغيَّر هو صلابةُ الشعر الجاهلي، ووعورة ألفاظه، إذْ كان لكتاب الله وحديث رسوله الكريم أثرٌ في البعد عن اللفظ الغريب، والكلمة غير المأنوسة، وفيما تقدّم من الأمثلة ما يرشد إلى هذا الاتجاه..
2- النثر
جاء كتابُ الله عز وجل، وحديثُ نبيه الكريم، بسيْلٍ متدفق المعاني، متعدد الأفكار، لأن رسالة الإصلاح الكبرى، التي حملها الإسلام، قد أشرقت على العقول والقلوب، كما تُشرق الشمس بعد ليل طويل، فطردت ظلاماً وأنارت طريقاً، ورسمت اتجاهاً، وكلّ ذلك قد أمَدَّ العقل بمددٍ لا ينقطع من الأفكار وفتحَ لهَمْ بابَ التأمل والاعتبار.
وكان الشعرُ في العصر الجاهلي موضع العناية وحده فلما جاء القرآنُ كانَ موضِعَ العناية بالدرجة الأولى وتطلّبَ من يشرحُ معانيه، ويبين مقاصده، وأدواتُ ذلك من النثر لا من الشعر، كما خطَبَ الرسولُ وأصحابه خُطباً نثريّة قويةً، وراسلوا الملوك بكتب واضحة محدّدة، وكتبُوا العهود والمواثيق, وأصدروا أوامرهم للعمال والقواد، وتركوا وصاياهم الحافلة بالنظرات الثاقبة وكل ذلك جعل النثر في هذا العصر يعالج شئون الحياة، ويدعو إلى سبيل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن.
وقد كانت هذه الأغراض، تؤدى بألفاظ واضحة محدّدة، وإذْ لمْ يكُن من شأن أصحابها أن يُكثروا القول تزيّداً ومباهاة، ولكنْ كان من شأنهم أن يُفصحوا عن خواطرهم بوضوح تام، وإشراق واضح، وحين نزل القرآن بلغة مهذبة مصقولة تتجنّب الحوشي وترك الوعر، فإنه بذلك دعا إلى سبيل واضح في القول كان ذَا أثرٍ حيّ يحتذيه الكاتبون والخطباء.
أما معاني القرآن فكانت ذاتَ صدارة فيما عرف من الرسائل والخطب والعهود والأحاديث، وماذا عسى أن يقول المسلم الداعي لدينه الجديد، غير أن ينشر في الناس شريعة ربّه، وتعاليمَ نبيه بألفاظ يستعير أكثرَها من القرآن الكريم والحديث الشريف.
وإذا كان القرآن قد تحدث عن شئون الحياة من جهاد وقتال، وبيع وشراء وزواج وطلاق وإرث، وحقوق وواجبات، وآداب وفضائل في السلوك والاتجاه، فإن ذلك كلّه قد وجّه المتكلمين إلى أفكار إصلاحية، يلتزم بها الناس، وتحتاج للشرح والإيضاح، ولو دُوّنت خطبُ هذا العهد ورسائلُه لعرفنا عن ذلك الشيء الكثير، ولكنّ ما بقي مُدوّناً بعدَ ضياع الكثير مما ضاع، يدلّ على أي ثراء فكريّ في النثر الأدبي قد اكتُسب من القرآن والحديث.
على أن الدعوة للإسلام قد أضافت نفعاً جديداً في تعويد القائلين على التأمل الهادئ، وترك الاستطراد المتشعب، وبلوغ القصد دون اضطراب، وظهر أثر ذلك كله فيما كتبوه وقالوه، ولهذا كان ارتقاءُ النثر في هذا العصر باباً لارتقائه فيما وليه من العصور.[b]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى